الأربعاء، 10 ديسمبر 2008


علم النفس العصبي: النشأة والأهمية

التعريف، النشأة والتطور:-
علم النفس العصبي Neuropsychology في أبسط تعريفاته هو " ذلك العلم الذي يقوم بدراسة العلاقة بين السلوك والمخ." أو هو " دراسة العلاقة بين وظائف المخ من ناحية والسلوك من ناحية أخرى". وتستمد هذه الدراسة معلوماتها من أكثر من علم كعلم التشريح Anatomy وعلوم الحياة (البيولوجيBiology)، وعلم الأدوية (فارماكولوجيPharmacology)، وعلم وظائف الأعضاء (الفسيولوجي Physiology). ويعد علم النفس العصبي الإكلينيكي Clinical Neuropsychology أحد المجالات التي يتم فيها تطبيق هذه المعرفة في المواقف الإكلينيكية الخاصة ببعض المشكلات.
ظهرت العديد من الدوريات المتخصصة في هذا المجال التي نوجز بعضها فيما يلي:-
1- مجلة علم النفس العصبي الإكلينيكي Journal of Clinical Neuropsychology.
2- مجلة علم النفس الإكلينيكي Clinical Psychology.
3- علم النفس العصبي الإكلينيكي Clinical Neuropsychology.
4- المجلة الدولية للعلوم العصبية International Journal of Neurosciences.
5- مجلة نيوروسيكولوجيا Neuropsychologia.
6- مجلة علم النفس العصبي الإكلينيكي والتجريبي J. of Clinical & Experimental Neuropsychology.
7- مجلة علم النفس العصبي Neuropsychology.
8- مجلة المخ (الدماغ) واللغة Brain & Language.
حتى أوائل عام 1980 لم يكن علم النفس العصبي أحد التخصصات المحددة، ثم وضعت الجمعية الأمريكية لعلم النفس American Psychological Association تحديداً في القسم الأربعين لها حددت فيه تعريف علم النفس العصبي، وفي أواخر الثمانينات وضعت الجمعية المحددات المطلوبة لمن يحصل على دبلوم علم النفس العصبي الإكلينيكي.
ويعد مصطلح علم النفس العصبي مصطلحاً حديثاً نسبياً، وإن كان بروس Bruce يرى أنه ظهر لأول مرة على يد وليام أوسلر W.Osler، ثم استخدمه هب Hebb في كتابه المعنون "تنظيم السلوك: نظرية نيوروسيكولوجية" عام 1947. وعلى الرغم من أن هب لم يضع تعريفاً محدداً للمصطلح إلا أنه استخدمه للإشارة إلى الدراسة التي تتضمن اهتمامات كل من علماء الأعصاب Neurologists وعلماء النفس الفسيولوجيين Physiological Psychologists.
تطور نظرية علم النفس العصبي:-
يعتمد علم النفس العصبي على الرغم من حداثته في المجال الإكلينيكي على محورين هامين من الدراسات والنظريات هما: الفرضية المخية، الفرضية العصبية.
1- الفرضية المخية Brain Hypothesis
ترى هذه الفرضية أن المخ هو مصدر السلوك. وكان الاعتقاد السائد لفترة طويلة أن السلوك الإنساني تحكمه الأرواح، وكان من أكثر هذه المعتقدات ما أشار إليه أمبيدوقليس Impedocles (495-435 ق.م) حيث أوضح أن العمليات العقلية مركزها القلب. أما أفلاطون- (427-347 ق.م) فوضع مصطلح الروح ثلاثية الأطراف Tripartite Soul ووضع الجزء العقلي والمنطقي منها في المخ. أما أرسطو Aristotle (384-322 ق.م) فقد كانت لديه معرفة كافية بتركيب المخ، وقال أن الإنسان –مقارنة بالحيوان- يمتلك مخاً أكبر بالنسبة لحجم جسمه، كما أشار إلى أن القلب هو مصدر العمليات العقلية لأنه الأدفأ والأنشط. أما المخ فلأنه بارد وخامل فهو يعمل كخادم مهمته تبريد الدم.
أما هيبوقراط Hippocrtes (460-370 ق.م) فقد حاول أن يربط بين ملاحظاته الإكلينيكية على السلوك من ناحية، وما كان متوفراً لديه من معلومات عن المخ من ناحية أخرى. كذلك وصف جالين Galen (130-27ب.م) بعد ما يقرب من 600 سنة من هيبوقراط بعض المظاهر التشريحية للمخ، ودرس موضع العقل في المخ، تلك المحاولة التي دعمها ديكارت فيما بعد حيث افترض وجود الروح في الجسم الصنوبري Pineal body الموجود في المخ. ويعتبر هيبوقراط وجالين من أكثر من اهتم بفرضية أن المخ هو مصدر السلوك وذلك من خلال خبراتهما الإكلينيكية، وخاصة جالين الذي كان جراحاً ورأى الكثير من الأعراض السلوكية البادية على مرضاه والناتجة عن إصابات المخ.(53)
أما رينيه ديكارت R.Descartes (1596-1650) فقد استبدل مفهوم بلاتو عن الروح ثلاثية الأطراف بعقل واحد أسماه الروح العاقلة Rational Soul.
وترجع فكرة تحديد موضع وظائف المخ إلى علم الفراسة أو الفرينولوجيا Phrenology حيث أشار عالما التشريح الألمانيين فرانز جوزيف جال F.G.Gall (1758-1828) وسبورزهايم Spurzheim (1776-1832) إلى نقاط هامة في تشريح الجهاز العصبي وأوضحا أن القشرة المخية تتكون من خلايا عصبية تتصل بما تحت القشرة، ووصفا موضع التقاطع الحركي للمسارات الحركية الهابطة من المخ، وأن الحبل الشوكي يتكون من مادة بيضاء ومادة رمادية، وأن هناك نصفين متماثلين للمخ على اتصال ببعضهما البعض. أما بيير فلورانز Flourens (1794-1867) فقد حاول أن يضع تحديداً للمراكز المختلفة في المخ، والمسئولة عن بعض الوظائف، وذلك من خلال دراسة كل من المخ والمخيخ والنخاع المستطيل والحبل الشوكي والأعصاب الطرفية. وقام فلورانز بعمل مجموعة من العمليات على بعض الحيوانات دمر فيها مناطق معينة في القشرة المخية وانتظر ليرى ما الذي سيحدث بعد ذلك من آثار سلوكية. وأدت النتائج التي توصل إليها إلى تصور أن القشرة المخية تتضمن مراكز عدة تعمل بوظائف معينة، ولكنها على الرغم تعدد تلك المراكز والوظائف إلا أن هذه القشرة تعمل بشكل متكامل وليس مجرد وحدات منفصلة ومنعزلة.
أما الطبيب الفرنسي بول بروكا P.Broca (1824-1880) فقد استطاع في عام 1861أن يقوم بتحديد المنطقة المسئولة عن الكلام وذلك من خلال تشريحه لمخ مريض توفى وكان مصاباً بفقدان النطق رغم سلامة الأعضاء المتعلقة بهذه الوظيفة. ولاحظ بروكا من خلال تشريحه وجود منطقة مصابة في أحد مناطق المخ فاعتبرها هي المسئولة عن فقدان النطق، وتقع هذه المنطقة في الفص الجبهي الأيسر، وسميت فيما بعد بمنطقة بروكا. بعد ذلك جاء كارل فيرنيك K. Wernick (1848-1904) ليشير إلى وجود أكثر من منطقة للغة، كما أشار إلى ثلاثة أنواع من الأفيزيا: أفيزيا الطلاقة Fluency Aphasia، أفيزيا فيرنيك Wernick’s Aphasia، والصمم اللفظي Word Deafness.
2- الفرضية العصبية Neuron Hypothesis
توجد فرضيتان عصبيتان لكل منهما دوره في تطوير علم النفس العصبي، وتحاولان تفسير عمل الجهاز العصبي: الأولى فرضية الخلية العصبية neuron hypothesis وتنص على أن الجهاز العصبي يتكون من خلايا أو وحدات تتفاعل معاً ولكنها ليست متصلة فيزيقياً. فالخلايا العصبية قد تكون متباعدة فيما بينها تشريحياً أو مكانياً، ولكنها تشارك في القيام بوظيفة محددة. كما أن إصابة أي منطقة من هذه الخلايا يؤثر بدوره على أداء هذه الوظيفة. أما الفرضية الثانية فهي فرضية شبكة الأعصاب Nerve net hypothesis التي تشير إلى أن الجهاز العصبي يتكون من شبكة من الألياف المترابطة التي تعمل كوحدة واحدة.
النشأة الحديثة لعلم النفس العصبي:-
يُعد جون جاكسون J.Jackson (1835-1911) أول من وضع الأساس الحديث لعلم النفس العصبي وكتب أكثر من 300 مؤلفاً وبحثاً، واعتبر أن الجهاز العصبي يتكون من مجموعة من الطبقات ذات الوظيفة التدرجية أو الهرمية. ويُعد القرن التاسع عشر قرن زيادة المعرفة بتركيب المخ ووظائفه. ومع ذلك فإن علم النفس العصبي لم يكن قد ظهر حتى عام 1900، وإنما بدأ في الظهور في عام 1949 عندما استخدم المصطلح لأول مرة. وترجع أسباب تأخر هذا العلم إلى ما يلي:-
1- إن علماء الأعصاب في عشرينات هذا القرن –مثل هنري هيد- رفضوا النظرية الكلاسيكية التي وضعها كل من بروكا وفيرنيك، واعتبروا أن محاولتهما لربط الوظيفة بمكان تشريحي معين في المخ هو تكرار لنموذج الفرينولوجيا.
2- عطلت الحربان العالميتان الأولى والثانية التطور العلمي في العديد من المجالات وفي عديد من الدول، مما أثر على اكتشاف الجديد في النواحي التشريحية للمخ وعلاقتها بالسلوك.
3- إن علماء النفس عادة ما كانوا يبحثون عن جذورهم في الفلسفة بدلاً من البيولوجيا، وأدى ذلك إلى قلة اهتماماتهم بالفسيولوجيا والتشريح.
وقد استطاع معمل بنتون النفسي العصبي أن يستخدم العديد من الاختبارات بما فيها اختبار وكسلر للذكاء لإجراء عمليات التقييم المختلفة. كما استطاع هو وزملاؤه أن يقوموا بدراسات مكثفة لزملة أعراض البروزوباجنوزيا Prosopagnosia (عدم التعرف على الوجوه المألوفة) من خلال اختبار التعرف على الوجوه Facial Recognition Test. كما استخدم اختبار تحديد الموضع Localization test لتقييم القدرة المكانية، واختبار إدراك الأشكال اللمسية Tactile Form Perception Test. واستطاع بنتون من خلال معمله أن يطور ويستحدث العديد من الاختبارات الموضوعية من خلال بحوثه لتقييم الحالة النفسية والعصبية للمرضى.
يُضاف إلى ذلك ما قدمه وارد هالستيد W. Halstead من إسهامات هامة، حيث كان يلاحظ الأفراد ذوي الإصابات المخية، وما يطرأ على سلوكهم من تغير، وحاول من خلال ملاحظاته أن يقّيم هذه الخصائص السلوكية عن طريق تطبيق مجموعة من الاختبارات على هؤلاء المرضى. ثم تلا ذلك ما قدمه رالف رايتان R.Reitan -أحد تلامذة هالستيد- من تطوير للبطارية والتخلص من بعض الاختبارات وإضافة البعض الآخر، وكوّن ما سُمي ببطارية هالستيد - رايتان Halstead-Reitan. وفي عام 1980 ظهرت بطارية جديدة هي بطارية لوريا – نبراسكا Luria-Nebraska للتقييم النفسي العصبي والتي تُستخدم الآن على نطاق واسع كبديل لبطارية هالستيد-رايتان.
أهمية دراسة علم النفس العصبي:-
ظهر علم النفس العصبي كما سبق وقلنا نتيجة لزيادة الإصابات المخية في الحرب العالمية الثانية، كضرورة لتقييم الآثار السلوكية الناتجة عن هذه الإصابات. وإذا كان هذا العلم يهتم بدراسة التغيرات السلوكية الناجمة عن إصابات المخ فإن دراسة تحديد موضع الإصابة المخية Localization تعد مسألة في غاية الأهمية. وكما هو معروف فإن لكل منطقة مخية وظيفة معينة، وهذه الوظائف النوعية هي لب دراسة علم النفس العصبي. ويعني هذا أن تحديد التغيرات السلوكية يتطلب تحديد موضع الإصابة المخية العضوية، كما أنه يتطلب تحديد مساحة هذه الإصابة.
والحقيقة أنه على الرغم من زيادة تطور التكنولوجيا في وسائل التشخيص بدءً من الأشعة العادية Plain X Ray وانتهاءً بالرنين المغناطيسي Magnetic Resonance Imaging والمعروف اختصاراً بـ MRI، سواء كان تصويراً تشريحياً أو وظيفياً، ومروراً بالأشعة المقطعية، ورسام المخ، وغيرها. فإن هذه الوسائل فعالة في تحديد موضع الإصابة، ولكنها لا تعمل جميعها بنفس الدرجة من الدقة، بل إن بعضها قد يُظهر اضطرابات شاذة –تظهر في رسم المخ أو الأشعة- على الرغم من عدم وجود إصابة مخية حقيقية. بالإضافة لذلك فإن بعض هذه الوسائل قد يكون مؤذياً أو يعرض المريض لبعض المخاطر. فالبذل الشوكي Spinal Puncture مثلاً، والذي يتم من خلاله سحب كمية بسيطة من السائل النخاعي من خلال فقرات العمود الفقري في المنطقة القطنية لدراسة تركيب هذا السائل، قد يكون مؤذياً إلى حد إحداث ضعف عضلي في الساقين.
من هو أخصائي علم النفس العصبي:-
الحقيقة أن الاتجاه العالمي الآن يسعى إلى إذابة الفروق بين التخصصات المختلفة في علم النفس، بل إن هناك اتجاهاً جديداً يجعل المسميات المختلفة لتخصصات علم الأعصاب، والطب النفسي، وعلم النفس تندرج جميعها تحت مسمى واحد هو العلوم العصبية Neurosciences، ويُطلق على كل من يعمل في هذه المجالات اسم باحث عصبي Neuroscientist. ويعني هذا أن هذه التخصصات لا يمكن أن تكون منفصلة عن بعضها البعض لأنها ببساطة تتعامل مع الإنسان الذي ينظم حياته جهازه العصبي. ومن ثم فطبيب الأعصاب يحتاج إلى دراسة الطب النفسي وعلم النفس، والطبيب النفسي يجب أن يكون ملماً بكل من علم الأعصاب وعلم النفس، والأخصائي النفسي عليه أيضاً أن يكون على دراية بمجال علم الأعصاب والطب النفسي.
وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه آخذ في السير قدماً على المستوى العالمي إلا أنه لم يحظ بنفس الدرجة من الاهتمام في بلداننا العربية. وعند رصد طبيعة الدراسة التي تقدم لدارسي علم النفس في بلداننا العربية، يمكن القول بأن العلوم العصبية بشكل خاص، والعلوم البيولوجية بشكل عام، لا يتم دراستها على النحو الذي يسمح بالإلمام بالجوانب الهامة في هذه العلوم، ومن ثم يصبح من الصعب على طالب الدراسات العليا أن يكمل تخصصه في علم النفس العصبي بشكل صحيح. وبالتالي يتطلب الأمر تغييراً للكثير من المناهج التي يتم تلقينها لطلابنا، دون أن يحصلوا بشكل كاف حتى على التدريب الأساسي لهم وهو مجال الأمراض النفسية والعقلية . وفي ضوء ما سبق يمكننا أن نعرّف الأخصائي النفسي العصبي على أنه " أخصائي نفسي تخصص في دراسة العلاقة بين كل من المخ والسلوك، وتلقى تدريبات مكثفة وواسعة في مجال تشريح وفسيولوجيا وباثولوجيا الجهاز العصبي، وخاصة المخ، ولديه مهارات نوعية في استخدام أدوات التقييم التي تكشف وظائف المخ، مع القدرة على التقييم والتفسير والتنبؤ". وبعض الأخصائيين العصبيين يتخصصون في الأعمال البحثية والبعض الآخر يعمل في مجال تقييم وتدريب الأفراد الذين توجد لديهم اضطرابات وظيفية في الجهاز العصبي.
أما عن دور الأخصائي النفسي العصبي في تقييم المرضى فإنه يقوم بذلك عن طريق أحد الطرق الثلاثة التالية:
1- استخدام طريقة تقييمية تتكون من بطارية اختبارات ثابتة، وفي هذه الحالة نريد فقط أن نتعرف على ماهية الوظائف المضطربة وغير المضطربة. ومن أكثر البطاريات المستخدمة لهذا الغرض هي بطارية هالستيد- رايتان للتقييم النفسي العصبي.
2- أما الطريقة الثانية فهي استخدام بطارية ثابتة من الاختبارات أيضاً، ولكن في هذه الطريقة يكون هناك ترتيب هيراركي -هرمي- للبنود التي تمثل اختبارات فرعية. بمعنى أننا نبدأ بفحص وظائف معينة باختبارات محددة حتى نتوصل إلى المستوى الذي اضطربت عنده هذه الوظائف. وأكثر البطاريات استخداماً لهذا الغرض بطارية لوريا – نبراسكا، وهي تعتمد على تاريخ طويل من الدراسات البحثية التي اختبرت قدرة البطارية لقياس اضطراب وظيفة المخ، وتحديد أسباب هذا الاضطراب.
3- أما الطريقة الثالثة فهي استخدام البطارية المرنة، وتعني أننا لا نقدم اختبارات هذه البطارية لكل المرضى، بل نقدم لكل مريض ما يتناسب معه من أدوات، والتي قد لا تصلح للتطبيق على مريض آخر على الرغم من أنه يعاني من نفس المشكلة المرضية.
ويمكن أن نلخص دور الأخصائي النفسي العصبي فيما يلي:-
1. يستطيع أن يمدنا ببراهين توضح تأثير إصابة المخ على الوظائف المعرفية في الوقت الذي لا تستطيع فيه الأدوات التشخيصية الأخرى ذات التقنية العالية أن تمدنا بنفس المعلومات.
2. يستطيع أن يوضح لنا ما إذا كان الاضطراب السلوكي الظاهر على المريض هو نوع من الادعاء والتمارضMalingering ، أم نتيجة اكتئاب مثلاً(سبب نفسي) أم نتيجة لإصابة مخية (سبب عضوي)، أم أنه أحد مظاهر الأعراض الجانبية للعلاج المستخدم.
متطلبات إعداد الأخصائي النفسي العصبي:-
إن عملية تقييم الآثار السلوكية المترتبة على إصابات المخ أمر يتطلب ممن يقوم بهذه المهمة معرفة واسعة بالعديد من المعارف المختلفة الخاصة بالمخ والسلوك. فالتقييم النفسي العصبي يتطلب في البداية معرفة كيف يقوم المخ بالسيطرة والتحكم في العديد من الوظائف كالتخطيط والذاكرة والانفعال والحركة، وما إلى ذلك من وظائف. ومن ثم يحتاج الفاحص لهذه الوظائف إلى معرفة بالطرق والميكانيزمات التي تعمل بها الأنظمة المخية المختلفة، حتى يستطيع أن يقيسها بشكل دقيق. وعليه أن يكون على معرفة أيضاً بالنواحي العلاجية وتأثيرات الأدوية على الجانب المعرفي والسلوكي للمريض، حتى يمكنه التفرقة بين تأثيرات الإصابة المخية على الوظائف المعرفية، وبين الآثار الخاصة بالأدوية التي يتناولها المريض. وأخيراً يجب أن يكون على دراية ولو بسيطة بطرق الأشعة التصويرية للمخ، وكيف تبدو الإصابات فيها.
إن الأمر يتطلب ببساطة تدريباًَ واسعأً ومكثفاً وعميقاً في العديد من المجالات، ولسوء الحظ فإن الأمر ليس كذلك في الواقع، ليس فحسب بالنسبة للأخصائي النفسي العصبي، بل وبالنسبة أيضاً لبعض الأطباء النفسيين وأطباء الأعصاب وأخصائيي العلاج بالعمل. وقد يرجع هذا الأمر إلى أنه لا يوجد نظام تدريبي موحد ومقنن لكل الفاحصين، كما أن نوعية التقييم تختلف بشكل كبير
إن منح شهادة البورد الأمريكية في كل من علم النفس المهني Professional Psychology، أو علم النفس العصبي الإكلينيكي Clinical Neuropsychology يتطلب تدريباً مكثفاً في هذه المجالات. ووضعت الجمعية شروطاً يجب توفرها لكل من يريد أن يحصل على دبلوم علم النفس العصبي الإكلينيكي يمكن تلخيصها فيما يلي:-
أ- الحصول على درجة الدكتوراه في علم النفس.
ب- وجود ترخيص مزاولة المهنة في مكان إكلينيكي
ج- يجب أن يكون الفرد قد حصل على تدريبات في المجالات التالية:-
1- العلوم العصبية الأساسية Basic neurosciences.
2- تشريح الجهاز العصبي Neuroanatomy.
3- علم الأعصاب المرضي Neuropathology.
4- علم الأعصاب الإكلينيكي Clinical Neurology.
5- التقييم النفسي Psychological Assessment.
6- التقييم النيوروسيكولوجي Clinical Neuropsychological Assessment.
7- علم النفس المرضي Psychopathology.
د- خبرة خمس سنوات بعد الدكتوراه في ممارسة علم النفس في المجالات البحثية، والإكلينيكية، والتدريسية.
هـ- خبرة ثلاث سنوات أو أكثر في علم النفس العصبي وتشتمل على:
1-سنة تدريب (تحت الإشراف) في التقييم النيوروسيكولوجي.
2-سنة تدريب كأخصائي علم نفس عصبي.
3- في حالة غياب أي خبرة إكلينيكية تحت الإشراف، يجب خبرة 3 سنوات في المجال العصبي الإكلينيكي.
مستقبل علم النفس العصبي:-
إذا كان البعض يرى أن مستقبل هذا العلم في انهيار نتيجة ازدياد التطور التقني الذي يساعد على تحديد طبيعة الإصابات ومواقعها، فإن الأمر على عكس ذلك، فالتطور التقني في أدوات التشخيص إنما يساعد أكثر على زيادة دور هذا العلم، واكتساب الأخصائي النفسي العصبي القدرة على تحديد أدق للحالات المرضية، ومن ثم القدرة على التنبؤ بالاضطرابات، ومساعدة الطبيب والمريض على وضع خطة علاجية وتأهيلية جيدة. وفي ضوء ما سبق يتطلب الأمر بهذه الكيفية إعادة النظر فيما نقدمه لطلابنا دارسي علم النفس في مستوياته الدراسية المختلفة من معارف وتدريبات، كما يتطلب تحديداً لطبيعة الدور الذي سيقوم به الأخصائي النفسي بعد تخرجه، ووضع البرامج التعليمية والتدريبية الميدانية التي تتناسب مع طبيعة هذا الدور. كما يتطلب الأمر أن نحدد وضع خريجينا على خريطة عالمنا المهني، ونحن ننظر إلى التغيرات التي تحدث حولنا في العالم من حيث دقة التخصص ومتطلباته.
[علم النفس العصبي الأسس وطرق التقييم-أ.د.سامي عبد القوي-استاذ علم النفس العصبي –جامعتي عين شمس والامارات العربية –استشاري امراض المخ والاعصاب والطب النفسي-جامعة الامارات العربية-2001]




ليست هناك تعليقات: